فن الاتصال والتواصل في ضوء العلاقة بين الأنا والآخر

, 310
Advertisements

يعتبر الاتصال والتواصل من أهم المتطلبات الضرورية والأساسية لدى الإنسان، كما أنها حاجات متأصلة في وجوده وحياته اليومية وواقعه المعاش، ويستخدمها بشكل دائم ومستمر، بل لا يستطيع الحياة بشكل سوي بدونهما، حيث أن الإنسان يرتبط بأبناء جنسه ارتباطاً وثيقاً من أجل مواصلة الحياة والاستمرار فيها بشكل طبيعي، الاتصال هو إحدى أهم العمليات التي تساعد الناس على هذا الترابط والتفاهم والتعايش فيما بينهم، كما أنها الوسيلة لتبادلهم لشتى أصناف المعرفة والثقافات والأحاسيس والمشاعر و الآراء والأفكار ووجهات النظر وكل ما من شأنه أن يقرب بني البشر من بعضهم البعض على المستويات كافة أفراداً وأمماً وثقافات وحضارات.

الاتصال عملية تفاعلية ديناميكية دائمة الحركة تخضع لمؤثرات متغيرة أهمها التكامل والتفاعل في ظل الإمكانات المتوفرة، وهذه العملية لا تسير باتجاه واحد (اتجاه مستقيم)، بل هي عملية (دائرية) بسبب تبادل الأدوار بين طرفيها فالمرسل مستقبل، والمستقبل مرسل وبعبارة أخرى ، فإنه يعني تلك العملية المصطنعة بين طرفين من أجل تحقيق مصلحة مشتركة أو هدف معين.

كذلك الاتصال عملية هادفة، لا يمكن أن تتم بين طرفين إلا إذا حدث تفاعل بينهما، يؤدي في نهاية المطاف إلى تشاركهما في خبرة أو مهارة أو مفهوم أو عمل أو سلوك معين أو فكرة أو معلومة، وباختصار فإن الاتصال يهدف إلى التأثير عن قصد للحصول على استجابة معينة من شخص معين أو مجموعة من الأشخاص. الاتصال كعملية يتضمن المشاركة أوالتفاهم حول شئ أوفكرة أوإحساس أواتجاه أوسلوك أوفعل ما.

ويعد الاتصال من السمات الإنسانية الأساسية سواء كان في شكل صور أم موسيقي، وسواء أكان إتصالاً فعلياً أم مستتراً، إعلامياً أم إقناعناً، مخيفاً أم مسلياً، واضحاً أم غامضاً، مقصوداً أم عشوائياً، داخلياً أم مع أشخاص آخرين، فالاتصال إذاً هوالقناة التي تربطنا بالإنسانية ، وهوالذي يمهد لكل ما نقوم به من أفعال.

كما يمكن تعريف الاتصال بأنه العملية الاجتماعية التي يتم بمقتضاها تبادل المعلومات والآراء والأفكار في رموز دالة بين الأفراد أوالجماعات داخل المجتمع وبين الثقافات المختلفة لتحقيق أهداف معينة.

وبناءً على ذلك فإن الاتصال كعملية تعني سلسلة من العمليات أوالأحداث المستمرة المتحركة دائماً تجاه هدف، ذلك أن الاتصال ليس كياناً جامداً أوثابتاً في دنيا الزمان والمكان، ولكنه عملية ديناميكية يتم استخدامها لنقلل المعاني والقيم الثقافية والخبرات المشتركة.

ومن هذا المنطلق يجدر بنا التنويه إلى أن ليس بالضرورة أن يكون كل اتصال اتصالاً فعالاً، فهناك اتصال ايجابي فعال واتصال سلبي لا يؤدي الهدف المرجو منه، ولذلك يجدر بنا التمييز بين الاتصال التواصل.

قد يعتقد البعض أن الاتصال والتواصل مفهومين لمعنى واحد، إلا أن ثمة فرق بين هذين المفهومين، ففي الاتصال هناك رغبة من أحد الطرفين باتجاه الآخر، وهذا الآخر قد يستجيب ويتفاعل مع الرغبة أو أنه قد يرفض الاستجابة. أما في التواصل فإن التفاعل أو الرغبة في المشاركة تحدث من كلا الطرفين وتنشط باتجاه تحقيق أهداف معينة. فالتواصل مصطلح يشير إلى علاقة متبادلة بين طرفين، أو بتعبير آخر يشير إلى انفتاح الذات مع الآخر في علاقة حية لا تنقطع حتى تعود من جديد.

ومن هنا فإن عملية التواصل هي أساس العلاقات الإنسانية والتفاهم الإنساني، وهي العملية التي يتم بمقتضاها تكوين العلاقات بين أعضاء المجتمع وتبادل المعلومات والآراء والأفكار والتجارب فيما بينهم.

Advertisements
Advertisements

الاتصال يعني توجيه رسالة من طرف لآخر دون تلقي أي رد عليها، كما هو الحال في المحاضرات التي لا يشارك فيها أحد من المستمعين، أو خطب الأئمة للمصلين، أو خطب الرؤساء للجماهير‍، بينما التواصل يعني الرد على المحاضرين والأئمة والرؤساء والاتصال إما أن يكون كاملاً، إذا فهم المستمع الرسالة فهما تاماً ورد عليها رداً علمياً، منطقياً، مقنعاَ، وقد يكون الاتصال جزئياً إذا كان الفهم ناقصاً، وكان الرد ليس شافياً أو تضمن دعوة للإعادة، أو احتمل التأويل، ويمكننا ملاحظة هذين النوعين من التواصل في المواقف الحياتية المختلفة؛ كالمواقف الصفية، وفي لجان مقابلات الموظفين، وفي مكاتب الاستشارات الهندسية والقضائية والفنية..الخ

للاتصال أهمية كبيرة فهو أحد العمليات الاجتماعية التي ظهرت مع بداية حياة الإنسان على وجه الأرض، وقد بدأ الاتصال بسيطاً، ومباشراً واستهدف اشباع الحاجات الأساسية عند الإنسان، ثم ما لبث أن تطور وازداد تعقيداً مع تطور الحياة إلى أن وصل إلى أعلى مستوياته من خلال عصرنا الحاضر، ومن أهم وظائف الاتصال أنه يزيد في قبول وتقدير الإنسان في المجتمع، ويزيد من التقارب النفسي بين أفراد المجتمع، ويوسع المدارك وينمي الخيال والصور الإبداعية، ويهيئ النفس للمراجعة وقبول الاعتراف بالخطأ، وكذلك يساعد الفرد على تقبل الآخر المختلف عنه، وينتمي القدرة على اتخاذ القرارات من خلال الحوار والتواصل الإيجابي والتأثير في الآخر، مما يساعد في تنمية المعرفة والإطلاع على منجزات الآخرين الثقافية والحضارية.

وكما نحتاج إلى وسائل الاتصال الحديثة والمتطورة فإننا نحتاج أيضاً وبدرجة أكبر إلى مهارات الاتصال، فهي من أهم المهارات التي نحتاجها في حياتنا اليومية والتي لا يمكننا العيش بشكل سوي وطبيعي بدونها، لأن الإنسان لا يستطيع العيش بدون باقي أفراد المجتمع والاتصال هو من أهم العمليات الاجتماعية التي تربطه بمجتمعه وهو الوسيلة للتفاهم والتعايش ونقل الخبرات والمشاعر والأفكار بين الناس، كما أن من خلاله يحدث ما يسمى بالتفاعل والتلاقح والتعارف والتحاور بين الثقافات والحضارات على مستوى الأسرة الإنسانية جمعاء.

من هذا المنطلق تكمن أهمية الاتصال والسعي لفهمه بشكل أوسع وامتلاك المهارات الفعالة لحدوثة بشكل إيجابي وفعال وعدم إهمالها. لأن هذه المهارات تتطور بالتدريب والمران ومن خلال المزاولة والممارسة بشكل مستدام.

ومن أهم عناصر عملية الاتصال، ( المرسل والرسالة والمستقبل)، والبعض من الباحثين جعلها أربعة عناصر (المرسل والرسالة والمستقبل والوسيلة)، ومنهم من جعلها خمسة أقسام (المرسل والرسالة والمستقبل والوسيلة والتغذية الراجعة)، ومنهم من أضاف البيئة وغيرها، كلاً حسب رؤيته أو دمجه لبعض العناصر مع بعضها أو فصلها عن ببعضها.

إن العلاقة بين الأنا والآخر، هي علاقة الهوية والاختلاف، ولا يمكن للأنا أن تبدع دون أن تثبت ذاتها وخصوصيتها أولاً، ومن ثم تدخل في علاقتها مع الآخر ــــ وهي واعية لمتطلباتها واحتياجاتها الذاتية ــــ ثانياً ، بحيث تكون مدركة لآليات الأخذ من الآخر وإعطائه بشكل متوازن بحيث إنها لا تقع في القطيعة مع الآخر بالمطلق،أوتنزلق في الذوبان في الآخر بالمطلق.

إذاً من أسباب فشل الحوار والتواصل، إنما يكمن في خلل العلاقة بين الأنا والآخر، فعندما تكون العلاقة بين الأنا والآخر متوازنة ومعتدلة، فالنتيجة ستكون اقتراب الأنا أكثر فأكثر نحو الموضوعية والواقعية والعقلانية في تعاملها مع نفسها أولاً، ومع الآخر ثانياً، والعكس صحيح إذ إنه كلما كانت العلاقة بين الأنا والآخر مضطربة أومختلة التوازن فإن النتيجة ستكون الوقوع في الخلل والانسياق نحو إحدى النقيضين المذمومين، فأما إفراط وإما تفريط وكلا النقيضين يبعدان المتحاورين والراغبين في التواصل عن النزاهة والموضوعية في الحوار والتواصل الفعال.

وأخيراً إن الاتصال حاجة إنسانية هامة للتخاطب وايصال المعلومات والمعارف وتبادل الاحاسيس والمشاعر بين أفراد الأسرة الإنسانية برمتها، ولما كان نجاح التخاطب بين الناس إنما يبنى على مهارات الاتصال، فقد اقتضى ذلك من الناس على اختلاف أجناسهم ومشاربهم أن يتعلموا هذه المهارات التي من شأن اتقانها جعل العلاقات الإنسانية أكثر تطوراً ورقياً وحميميةً، بل وأكثر إنسانيةً.

0 0 vote
Article Rating
20

Advertisements
Advertisements

Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

التصنيفات